رغم إعلان قائد مجموعة "جيش الإسلام" زهران علوش المتواجد في ريف العاصمة السورية أنّ الصواريخ والقذائف المرسلة الى دمشق تأتي رداً على استهداف الجيش السوري مناطق الغوطة الشرقية، غير أنّ الوقائع توحي بعدم صحة إدعاءاته.
في الأشهر الماضية، اتهم مسلحون مجموعات علوش بالخيانة والهروب من المعارك كلما كانت تحتدم المواجهات مع الجيش السوري. لا يجد هؤلاء في سجل "العلوشيين" أيّ إنجازاتٍ ميدانية في مواجهة "النظام". في الأسابيع الماضية دارت معارك بين "جيش الإسلام" ومجموعات أخرى أدّت إلى هروب مئات المسلحين من الغوطة بإتجاه العاصمة، وتسليم أنفسهم للجيش السوري، بموازاة خروج عائلات كانت لا تزال في الغوطة. جهد الجيش في تأمين إخراج هؤلاء المسلحين والمدنيين، واستعمل عربات عسكرية مصفحة لنقلهم بعدما تعرّض الهاربون لنيران أطلقتها مجموعات علوش.
لا تعتبر المسألة عابرة. المسلحون الهاربون من بطش "العلوشيين" وقتال المجموعات بين بعضها، أبدوا الإستعداد للدخول مع الجيش في خوض حربه ضد "جيش الإسلام". قد تنشأ لجان وطنية من المسلحين الهاربين لقتال المجموعات المنضوية في "جبهة النصرة" و"جيش الاسلام".
شعر زهران علوش بأزمة المعنويات المتدرجة إنخفاضاً في نفوس من لا يزال متواجداً في الغوطة. ثمة من نقل معلومات عن مصالحات تتوسع يجري الإعداد لها في دوما بين السلطة والمعارضين وتسوية أوضاع حاملي السلاح. هناك من يتولى نقل رسائل بين السلطة ووجهاء في ريف العاصمة. أراد علوش الحد من تمدد المصالحات، وبنفس الوقت رفع المعنويات عند أنصار المسلحين وترسيخ قيادته ميدانياً. لا قدرة لمقاتليه على المواجهة المباشرة، ولا التقدم نحو أبواب دمشق، أو تحقيق أيّ إنجاز ميداني يُذكر. من هنا جاء قرار إطلاق الصواريخ على العاصمة، للحد من المصالحات ورفع المعنويات ولمّ شمل المسلحين تحت قيادته بعدما تعددت الرايات وباتت "النصرة" مع "داعش" يختصران الجسم المسلح في سوريا.
لا تقتصر الأمور هنا. شعرت المجموعات ومن ضمنها "العلوشيون" أنّ قطار المفاوضات أو الحوار انطلق ما بين القاهرة وموسكو، بعيدًا عنهم. لم يسأل أحد خاطرهم. لا المعارضة السياسية تمسّكت بأدوارهم أو حاولت فرضهم كواقع ميداني، ولا العواصم الخارجية بدت مهتمّة لوجودهم. أراد أن يقول علوش: نحن هنا، نمتلك القرار في الميدان.
في القاهرة دغدغ المعارضون المسلحين السوريين ببعض الشعارات، لكن عملياً يجري التخلي عنهم، تماماً كما يُراد لمنتدى روسيا. لا يبدو أنّ هناك مكاناً للمسلحين في الحسابات الإقليمية والدولية حول سوريا.
رفع الاستنفار إلى حدّ ضرب دمشق بعشرات القذائف والصواريخ يعني أنّ إرباكاً يسود صفوف مسلحي ريف العاصمة، لا القدرة على شل المدن والحياة كما حاول علوش الإيحاء.
جردة حسابات سورية بسيطة للمقارنة واستخلاص العبرة: أين كانت طموحات المسلحين والمعارضين في السنوات الماضية؟ ألم يجر التهديد بإقتحام دمشق مرات عدة؟ ألم تصل الاشتباكات إلى بساتين الرازي؟ ألم يبقَ المواطنون في الشام أياماً متواصلة من دون نوم في سنوات مضت جراء أصوات القذائف والصواريخ والمدافع والطائرات؟ فماذا حلّ الآن؟ ألم تتغير المعادلة الميدانية؟ ألم يصمد "النظام"؟ ألم تتبدل الحسابات جراء تمدد " داعش" ومخاطر التطرف إقليميا ودولياً؟
يحاول علوش إعادة عقارب الساعة الى الوراء وتحديدًا إلى عامي 2012-2013 حيث كانت تعيش المعارضة السورية ومن ضمنها المسلحون أيام عزّ وأحلام توسّع. لم تكن مخاطر "داعش" ترعب عواصم العالم. ولم تكن الحقائق السياسية واضحة كما بدت اليوم. لم تعترف وقتها الادارة الأميركية ولا الأوروبيون بوجود تطرّف في سوريا بل وضعوا ما يجري في خانة "ثورة تناضل لتغيير نظام".
تغيّرت الأولويات خارجياً، فيما مضت المعارضة تلملم صفوفها للمشاركة في سلطة، بغضّ النظر عن سقف بيان اجتماع القاهرة الأخير. الأساس اجتماع موسكو. هل ينجح؟
بعيداً عن توقيت استيلاد الحل السياسي ومتى وكيف وأين، سيكون المسلحون وقوداً لأي تسوية. لن تغير فيها قذائف علوش ولا صواريخ جيشه المعادلة التي يتم الاتفاق عليها إقليميا.
ثمة من يعتبر أنّ اللقاءات السياسية في القاهرة وموسكو "تقطيع وقت" رغم أهمية ومؤشرات انعقادها. هناك أيضاً من يقول بأن "تلك المعارضة لا تمثل الارض".
من مصلحة السلطة السورية أساساً بأن تنجح تجربة تلك المعارضة، أفضل من أن تكون المعارضة تمثل سياسيا وميدانياً.
قد ينتظر الواقع السوري محطات إقليمية ودولية لحسم الاتجاهات. قد ينتظر مسار المفاوضات النووية، وتموضعات المملكة السعودية بعد تقدم الامير محمد بن نايف إلى صلب المعادلة. قد ينتظر حسم الخيارات تجاه عدوانية اسرائيل بالحرب معها أو بوقف دائم لإطلاق النار على جبهة الجولان.
لذلك من المستحيل أن يحلّ أزمة سوريا التواصل وحده بين المعارضة والسلطة، تماماً كما لا تغير الواقع السوري قذائف تسقط في المدن وخصوصاً في العاصمة مهما كثرت أعدادها. حسابات المنطقة اختلطت وصارت كل ساحة تفصيلا في المشهد العام.